يا بدْرُ ودّعْني وَدَعْ أحْلامي
خالد شوملي
يا بَدْرُ وَدِّعْني
وَدَعْ أحْلامي
وَخُذِ النُّجومَ هَدِيَّةً وَسَلامي
هِيَ نُورُ أحْداقي
وَزَهْرُ حَدائِقي
ما كُنْتُ لَوْلاها أُطيقُ مَنامي
قَدْ قَدّتِ الْأشْواقُ ثَوْبَ قَصيدَتي
وَالْحَرْفُ فِيها حِيكَ مِنْ آلامي
حَبْلُ الْحَنينِ أشُدُّهُ فَيَشُدُّني
وَطَني الْمُشَتَّتُ في جَحيم ِ خِيامِ
لَوْ سِرْتُ غَرْبًا
سَوْفَ تُشْرِقُ شَمْسُهُ
وَلَوِ اسْتَدَرْتُ رَأَيْتُهُ قُدّامي
جَبَلٌ مِنَ الذِّكْرى على كَتِفِ النَّدى
لَمْ يَرْفَعِ النِّسْيانُ عِبْءَ غُلامِ
إنِّي رَسَمْتُ مِنَ الدُّموع ِ شَواطِئي
وَالْبَحْرُ هاجَ بِدَفْتَرِ الرَّسّامِ
الْحُبُّ يَجْري في فُراتِ قَصائِدي
ما جَفَّتِ الْأشْواقُ في الْأقْلامِ
إنْ كانَ حُبُّكِ يا بِلادي تُهْمَةً
فَاللهُ زادَ عَلَيَّ في آثامي
أشْهَرْتُ حُبَّكِ وَانْطَلَقْتُ عَواصِفًا
فَالْغِمْدُ قَلْبي
وَالْغَرامُ حُسامي
إنِّي رَأيْتُكِ وَالظَّلامُ مُخَيِّمٌ
في كُلِّ سِجْنٍ
زادَ فِيكِ هُيامي
إنِّي نَسَجْتُ مِنَ الْوَفاءِ خَرائِطي
بِشُعاعِ حَرْفِكِ قدْ مَسَكْتُ زِمامي
وَالْقَلْبُ يَسْبِقُني
وَيَهْتِفُ عالِيًا
حُرِّيَّةُ الْإنْسانِ جُلُّ مَرامي
يَتَوَهَّجُ الْقَلْبُ الْمُتَيَّمُ بِالْهَوى
تَتَمَوَّجُ الذِّكْرى مَعَ الْأنْسامِ
في جَرّةِ الْهَيْمانِ
تَرْقُصُ جَمْرةٌ
لا يَرْتَوي الصَّبُّ الْغَريقُ الظّامي
هِيَ شُعْلَةُ الشَّوْقِ الّتي لَمْ تَنْطَفئْ
ما وَدَّعَتْهُ الْعَيْنُ
هَبَّ أمامي
في الرُّوحِ أوْطاني وَأيّامُ الصِّبا
فَلَها تُرَفْرِفُ أجْمَلُ الْأعْلامِ
هَلْ ذابَ في الْمَنْفى فُؤادٌ عاشِقٌ
أَمْ قَوّسَتْ نارُ الزَّمانِ سِهامي؟
يا غُرْبةَ الصَّحْراءِ
أيْنَ زَنابِقي
هَلْ كانَتِ الْآبارُ مِنْ أوْهامي؟
أيْنَ الْبَنَفْسَجُ
وَالْقَرَنْفُلُ وَالشّذا
هَلْ ماتَتِ الْأزْهارُ في الْأكْمامِ؟
وَالْيَاسَمينَةُ
هَلْ تَرَهّلَ ظِلُّها
كيْفَ اخْتَفَتْ في بُرْهَةٍ أعْوامي؟
كَمْ عَذّبَتْني غُرْبَتي بِجَفائِها
عَضَّتْ بِأنْيابِ الذِّئابِ عِظامي!
إنِّي شَرِبْتُ مِنَ الْمَنافي مُرَّها
يا بَدْرُ صُبِّ الْفَجْرَ في أجْوامي
لَمْ أفْتَقِدْ ريشَ النَّعام ِ
وَ إنّما
ضَوْءَ الْحَياةِ بِثَغْرِها الْبَسّامِ
أَنْتَ الْمُشَتّتُ أَمْ أنا
أَمْ نَحْنُ يَجْمَعُنا الشّقاءُ بِظِلِّهِ الْمُتَرامي؟
يا بَدْرُ إنّي قَدْ كَتَبْتُ وَصِيّتي
لَمْ يَبْقَ مِنْ عُمْري سِوى أيّامِ
شُكْرًا لِكُلِّ قَصيدَةٍ أهْدَيْتَني
لَوْلاكَ
ما احْتَمَلَتْ رُؤايَ ظَلامي
حَلِّقْ لَكَ الْآفاقُ مِلْءَ بَهائِها
وَالْكَوْنُ يَعْزِفُ أَبْدَعَ الْأنْغامِ
يَتَلَأْلَأُ الْإيقاعُ فَوْقَ سَمائِها
خَيْلُ الْقَصيدِ مُسَرّجٌ بِكَلامي
يا بَدْرُ حَلِّقْ في فَضاءِ بِلادِنا
في قامَةِ الْأَجْرام ِ خَيْرُ مُقامِ
عَلّقْ على غُصْنِ الْوَفاءِ قِلادَةً
مِنْ قِيمَةِ الْأوْطانِ كانَ مَقامي
إنَّ الْحَياةَ تَسِيرُ وَفْقَ مِزاجِها
لا يُوقِفُ الْأنْهارَ صَخْرُ لِئامِ
النّارُ في فَمِهِمْ
وَحُلْمُكَ صادِقٌ
لا تَكْتَرِثْ يا نَهْرُ لِلنَّمّامِ
قُلْ لِلَّذي يَهْجو تَوَهُّجَ جَبْهَتي
إنَّ الثُّلوجَ تُداسُ بِالْأقْدامِ
يا ناظِمَ الْكَلِماتِ خَفِّفْ وَقْعَها
فَحُروفُها أمْضى مِنَ الصَّمْصَامِ
إنْ كُنْتَ تَبْحَثُ عَنْ نَياشينِ الْعُلى
فَالْعِلْمُ وَالْأخْلاقُ خَيْرُ وِسامِ
إنَّ الْحَياةَ مَواقِفٌ وَبُطولَةٌ
ما قِيسَ عُمْرُ الْمَرْءِ بِالْأرْقامِ
لا يُحْرِزُ الْأمْجادَ إلّا فارِسٌ
لَبَّى النِّداءَ بِعَزْمِهِ الْمِقْدامِ
فَاصْدَحْ بِشِعْرِكَ
أنْتَ حُرٌّ في الْمَدى
يا صاحِبي لا تَخْشَ طَيْفَ نِظامِ
حَرِّرْ مَجازَكَ مِنْ قُيودِ غُيومِهِ
أكْرِمْ عَلى الشُّعَراءِ بِالْإلْهامِ
وَاحْرِقْ وِثاقَكَ يا صَديقي
وَانْطَلِقْ
لا تَرْتَدي الْأقْمارُ أيَّ حِزامِ
وَاحْمِلْ حَنينَ النَّهْرِ نَحْوَ مَصَبِّهِ
وانْثُرْ رَحيقي في بِلادِ الشّامِ
وَ إذا دَعَتْكَ الرّيحُ نَحْوَ مُروجِنا
جُدْ بِالْمَحَبَّةِ سَيّدَ الْإكْرامِ
سَلِّمْ عَلى “ حَقْلِ الرُّعاةِ “ وَ أهْلِهِ
وَاكْسِرْ رَغيفَ الْخُبْزِ مَعْ أعْمامي
هَلْ ذُقْتَ فقّوسَ الْبِلادِ وَتينَها
وَرَأيْتَ نورَ الشَّمْسِ في الشّمّامِ؟
عَرِّجْ على بَيْتي الْعَتيقِ وَبِئْرِهِ
فَهُناكَ بِالشِّعْرِ ابْتَدَأْتُ غَرامي
ما زالَ جُرْحُ الْأَرْضِ يَنْزِفُ مِنْ دَمي
فَاضْغَطْ عَلَيْهِ بِقُوّةِ الْإبْهامِ!
إنِّي أرى ضَوْءًا يَشُقُّ سَبيلَهُ
أَمَلًا سَيَنْبُتُ مِنْ رُكام ِ حُطامِ
اِمْسَحْ دُموعَ الْقُدْسِ في عَلْيائِها
بِشَذا النَّدى بَلْسِمْ ثَراها الدّامي
وَ أَضِئْ بِسِحْرِكَ فَوْقَ هام ِ بِلادِنا
قَبِّلْ أيا بَدْرُ الْجَبينَ السّامي.